ماذا بنا يا عرب؟
د. مازن قمصية
هل تعرف أن نصف القرى العربية في فلسطين هُجرت قبل بداية أية مستعمره صهيونية؟ ذلك حسب الأبحاث العلمية وباستعمال وثائق عثمانية وملفات الطابو وذكريات أجدادنا. حصل هذا ليس بسبب العثمانيين أو البريطانيين أو الصهاينة بل بسبب النزاعات الداخلية والتي اشتدت وطأتها مع تحالفات سُميت بيمن وقيس. مثلا أهل قرية الفاغور والتي ترجع إلى عصور الكنعانيين هجرت في منتصف القرن التاسع عشر من قبل قرية مجاورة وأهلها ألآن موزعين بين عدة قرى مثل واد فوكين ومدن مثل بيت لحم. ومن منا لا يعرف بعض الخرب (خربة ....) وما هذه إلا أماكن سكنها أجدادنا وهجروها بسبب النزاعات الداخلية. مقابل بيتي في بيت ساحور هنالك بيوت مهجورة ومنطقة تسمى بيت ساحور القديمة ولا يتحدث أهل البلدة عما حصل لتهجيرها قبل حوالي 150 عام.
كل منا يستطيع أن يسأل عن تاريخ العائلات في بلدته ليعرف أن أكثر من نصفها لجئت إليه بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر. طبعا لجئت بسبب نزاع خسرته تلك العائلة واضطرت للهرب من الإضطهاد الذي حتما كان ينتظرها إذا حاولت البقاء أو العودة. كم من هذه المآسي صاحبها تدمير مزارع وأشجار مثمرة وبيوت عامرة؟ كل منا يعرف من تاريخنا الشفوي مدى مأسات تلك النزاعات. بعض أجدادنا كانوا يتفاخروا بالغدر الذي ألحقوه بقبيلة أو قرية مجاورة. القصص متشابهة ولذا لا يمكن إلا أن يكون لها جزء من الصحة. مثلا إحضار رجال المنطقة المعادية للتحدث عن صُلحة ثم غدرهم وقتلهم جميعا. كثير من الخلافات كانت تأتي من "العرض" وبعض هذه من أن تقع حالة غرام بين إثنين لا تريد عائلاتهم مثل هذا التزاوج (ربما من مذهبين أو بين بدوي وفلاحية). بعض الخلافات كانت تأتي من ما يعتبره البعض إعتداء على ألأرض (مثلا راعي وغنماته دخلوا أرض زراعية بدون إذن). مهما تعددت الأسباب فما كان يحصل في بعض الأحيان هو حلها عشائريا وفي أحيان أخرى بمعارك ضارية. حتى عندما كانت تحل عشائريا فإن ألأغلب أن من يدفع الثمن يدفع ثمنا باهظا (لضعفه في تلك اللحظة) ويبقى عنده غضب داخلي يرجع ليُحيي النزاع عندما تتاح الفرصة.
البعض قد يقول أن هذا ماضينا وليس حاضرنا. هنالك إيجابيات في مجتمعنا ولكن هناك سلبيات لا يمكن أن نتغاضا عنها ترجع لنفس القيم الرجعية. أي مدقق لمشاكلنا الحالية يجد أنها تنبع من نفس الضعف. هذا الضعف يصعب إعطائه إسم محدد. هل هوالجهل؟ العشائرية؟ القبلية؟ ألأنانية؟ هل هذا الضعف هو الذي يجعل الكثير "يتاجروا" بالقضية الفلسطينية؟ هل هذا الضعف وعدم الثقة بالنفس هو ما أدى إلى أن من يصل إلى مركز قوة (كرسي) يتشبث به ويحيط نفسه بأتباع يقولون نعم ولا ينبهوه إلى أخطائه؟ هل هذا الضعف هو ما أدىإلى وجود رجال فلسطينيين همهم الوحيد هو التحرش الجنسي والذي يطول أكثر من 80% من المتضامنات ألأجنبيات! وأجد قصص بالمئات من متضامنين ومتضامنات أجانب واجهوا "الشحدة" (فلسطينيين ليسو في مجاعة ولكن يريدون فلوس الأجانب). أليس هذا الضعف هو ما يجعل الكثير من شعبنا العربي يهتم بنظافة بيته ويرمي الزبالة في شوارع البلد؟ أليس هذا الضعف مُضِر بقضيتنا المصيرية؟
بن غوريون قال أن الحركة الصهيونية ستخاف منا إذا رأى أننا نصطف بالدور! أود أن أضيف هنا واقف بالدور ويقرأ كتاب ,ان هذا ما هو إلا إشارة لبدء التطور. نحن كمجتمع نقرأ أقل من 1% مما تقرأه مجتمعات متقدمة. القرائة لتثقيف أنفسنا وتحدي عقولنا المتحجرة هي أهم ما يجب أن نغيره في مجتمعنا. هنا أقول قرائة أشياء لا يرتاح لها ألآباء والأجداد فما نقرأ حاليا هو كتب دينية وليس كتب تشجع التفكير والفردية. وبما أن في التاريخ عبرة لمن اعتبر فمن الواجب أن ننظر لهذا ونتحرك. أليس لنا أيضا أمثلة حسنة في تاريخنا لمن يعملوا ويفكروا ويضحوا؟ ألم تكن شعوب أوروبا مثلنا في القرون الوسطى وحصلت النهضة العلمية والثقافية بترك السلاسل؟
عندما درسنا العلم والبحث في فلسطين قبل سنة (دراسة لليونسكو ووزارة التعليم العالي) وجدنا أن وضعنا مُزري. ترجع بعض ألأسباب إلى التعليم الذي يركز على الحفظ وليس على التسائل وألإبداع وحل المشاكل والتفكير النقدي. وهذه بدورها ترجع إلى نفس الضعف. النقد كما نعمل هنا يواجهه البعض بالغضب والبعض بالسخرية والسلبية (على نمط "ما في أمل" و "ليش أغلٍب حالي") لكن يجب أن نرفض أن نبقى بالضعف. يجب أن نحرر عقولنا كأفراد من كل ما تراكم عليها من سلاسل من مجتمعنا. يمكن أن نحرر بلادنا فقط بعد تحرير عقلنا من سلاسلنا الكثيرة ومنها العادات والتقاليد المتعفنة ومنها العشائرية ومنها الخوف وعدم الثقة بالنفس. ولكن أهم سلاسلنا هو لوم ألآخر وعدم إستجواب نفسنا لخوفنا من خسارة ماء الوجه.
هل حان الوقت للتغيير والتطوير؟
د. مازن قمصية
هل تعرف أن نصف القرى العربية في فلسطين هُجرت قبل بداية أية مستعمره صهيونية؟ ذلك حسب الأبحاث العلمية وباستعمال وثائق عثمانية وملفات الطابو وذكريات أجدادنا. حصل هذا ليس بسبب العثمانيين أو البريطانيين أو الصهاينة بل بسبب النزاعات الداخلية والتي اشتدت وطأتها مع تحالفات سُميت بيمن وقيس. مثلا أهل قرية الفاغور والتي ترجع إلى عصور الكنعانيين هجرت في منتصف القرن التاسع عشر من قبل قرية مجاورة وأهلها ألآن موزعين بين عدة قرى مثل واد فوكين ومدن مثل بيت لحم. ومن منا لا يعرف بعض الخرب (خربة ....) وما هذه إلا أماكن سكنها أجدادنا وهجروها بسبب النزاعات الداخلية. مقابل بيتي في بيت ساحور هنالك بيوت مهجورة ومنطقة تسمى بيت ساحور القديمة ولا يتحدث أهل البلدة عما حصل لتهجيرها قبل حوالي 150 عام.
كل منا يستطيع أن يسأل عن تاريخ العائلات في بلدته ليعرف أن أكثر من نصفها لجئت إليه بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر. طبعا لجئت بسبب نزاع خسرته تلك العائلة واضطرت للهرب من الإضطهاد الذي حتما كان ينتظرها إذا حاولت البقاء أو العودة. كم من هذه المآسي صاحبها تدمير مزارع وأشجار مثمرة وبيوت عامرة؟ كل منا يعرف من تاريخنا الشفوي مدى مأسات تلك النزاعات. بعض أجدادنا كانوا يتفاخروا بالغدر الذي ألحقوه بقبيلة أو قرية مجاورة. القصص متشابهة ولذا لا يمكن إلا أن يكون لها جزء من الصحة. مثلا إحضار رجال المنطقة المعادية للتحدث عن صُلحة ثم غدرهم وقتلهم جميعا. كثير من الخلافات كانت تأتي من "العرض" وبعض هذه من أن تقع حالة غرام بين إثنين لا تريد عائلاتهم مثل هذا التزاوج (ربما من مذهبين أو بين بدوي وفلاحية). بعض الخلافات كانت تأتي من ما يعتبره البعض إعتداء على ألأرض (مثلا راعي وغنماته دخلوا أرض زراعية بدون إذن). مهما تعددت الأسباب فما كان يحصل في بعض الأحيان هو حلها عشائريا وفي أحيان أخرى بمعارك ضارية. حتى عندما كانت تحل عشائريا فإن ألأغلب أن من يدفع الثمن يدفع ثمنا باهظا (لضعفه في تلك اللحظة) ويبقى عنده غضب داخلي يرجع ليُحيي النزاع عندما تتاح الفرصة.
البعض قد يقول أن هذا ماضينا وليس حاضرنا. هنالك إيجابيات في مجتمعنا ولكن هناك سلبيات لا يمكن أن نتغاضا عنها ترجع لنفس القيم الرجعية. أي مدقق لمشاكلنا الحالية يجد أنها تنبع من نفس الضعف. هذا الضعف يصعب إعطائه إسم محدد. هل هوالجهل؟ العشائرية؟ القبلية؟ ألأنانية؟ هل هذا الضعف هو الذي يجعل الكثير "يتاجروا" بالقضية الفلسطينية؟ هل هذا الضعف وعدم الثقة بالنفس هو ما أدى إلى أن من يصل إلى مركز قوة (كرسي) يتشبث به ويحيط نفسه بأتباع يقولون نعم ولا ينبهوه إلى أخطائه؟ هل هذا الضعف هو ما أدىإلى وجود رجال فلسطينيين همهم الوحيد هو التحرش الجنسي والذي يطول أكثر من 80% من المتضامنات ألأجنبيات! وأجد قصص بالمئات من متضامنين ومتضامنات أجانب واجهوا "الشحدة" (فلسطينيين ليسو في مجاعة ولكن يريدون فلوس الأجانب). أليس هذا الضعف هو ما يجعل الكثير من شعبنا العربي يهتم بنظافة بيته ويرمي الزبالة في شوارع البلد؟ أليس هذا الضعف مُضِر بقضيتنا المصيرية؟
بن غوريون قال أن الحركة الصهيونية ستخاف منا إذا رأى أننا نصطف بالدور! أود أن أضيف هنا واقف بالدور ويقرأ كتاب ,ان هذا ما هو إلا إشارة لبدء التطور. نحن كمجتمع نقرأ أقل من 1% مما تقرأه مجتمعات متقدمة. القرائة لتثقيف أنفسنا وتحدي عقولنا المتحجرة هي أهم ما يجب أن نغيره في مجتمعنا. هنا أقول قرائة أشياء لا يرتاح لها ألآباء والأجداد فما نقرأ حاليا هو كتب دينية وليس كتب تشجع التفكير والفردية. وبما أن في التاريخ عبرة لمن اعتبر فمن الواجب أن ننظر لهذا ونتحرك. أليس لنا أيضا أمثلة حسنة في تاريخنا لمن يعملوا ويفكروا ويضحوا؟ ألم تكن شعوب أوروبا مثلنا في القرون الوسطى وحصلت النهضة العلمية والثقافية بترك السلاسل؟
عندما درسنا العلم والبحث في فلسطين قبل سنة (دراسة لليونسكو ووزارة التعليم العالي) وجدنا أن وضعنا مُزري. ترجع بعض ألأسباب إلى التعليم الذي يركز على الحفظ وليس على التسائل وألإبداع وحل المشاكل والتفكير النقدي. وهذه بدورها ترجع إلى نفس الضعف. النقد كما نعمل هنا يواجهه البعض بالغضب والبعض بالسخرية والسلبية (على نمط "ما في أمل" و "ليش أغلٍب حالي") لكن يجب أن نرفض أن نبقى بالضعف. يجب أن نحرر عقولنا كأفراد من كل ما تراكم عليها من سلاسل من مجتمعنا. يمكن أن نحرر بلادنا فقط بعد تحرير عقلنا من سلاسلنا الكثيرة ومنها العادات والتقاليد المتعفنة ومنها العشائرية ومنها الخوف وعدم الثقة بالنفس. ولكن أهم سلاسلنا هو لوم ألآخر وعدم إستجواب نفسنا لخوفنا من خسارة ماء الوجه.
هل حان الوقت للتغيير والتطوير؟
No comments:
Post a Comment